كـلـمَـاتُ .. Kalimat ♡

نحن نُسيء فهم الحب لأننا نخلطه بالحاجة. نحسب أن الحب هو أن نبحث عمن يُسكِّن خوفنا، ويملأ فراغنا، ويمنح حياتنا معنىً نفتقده. وهنا تبدأ الكارثة. الحب — في جوهره — ليس طلبًا، بل حالة. ليس أن تقول للآخر: ابقَ معي لأنني لا أحتمل وحدتي، بل أن تقول: أنا قادر على الوقوف وحدي، لكن وجودك يُضيف إلى حياتي اتساعًا ودفئًا. الإنسان لا يفرّ من الحب، وإلا لما كان للحياة معنى، لكنه يفرّ من أن يُوضَع في موضع “المنقذ”. فالمنقذ يُستنزَف، ويُطالَب، ويُحاسَب، ثم يُكره الدور الذي لم يختره. كل علاقة يدخلها الخوف تموت اختناقًا. الخوف من الفقد، الخوف من الهجر، الخوف من أن نُستبدَل… هذا الخوف يتسلل إلى الكلمات، إلى النظرات، إلى الصمت نفسه. حتى وإن لم يُقَل، يُفهَم. والقلوب — على عكس ما نتصور — ليست ساذجة، هي أجهزة رصد شديدة الحساسية، تلتقط القلق كما يلتقط الرادار الذبذبات الخفية. ولهذا لا تُغلق القلوب كرهًا، بل اتقاءً للأذى. الجاذبية ليست لغزًا، هي نتيجة طبيعية للاتزان. ننجذب لمن يشعرنا بالراحة، لا لمن يضعنا أمام اختبار دائم: هل تحبني؟ هل ستبقَى؟ هل تطمئنني الآن؟ الحب لا يزدهر تحت المراقبة، ولا يعيش في جو الاستجواب، ولا يحتمل أن يُحمَّل أكثر مما خُلق له. هو مساحة حرّة، يلتقي فيها اثنان لا ليعالج أحدهما الآخر، بل ليشهدا معًا معنى الوجود. ومن هنا نفهم سرّ السكينة. السكينة ليست برودًا، ولا تبلّدًا، بل امتلاء داخلي يجعل الإنسان أقل جوعًا للآخرين، وأكثر قدرة على أن يحب دون أن يلتهم. ومن امتلأ من داخله، صار حضوره مريحًا، وكلامه خفيفًا، وقربه نعمة لا عبئًا. أما من دخل الحب ليُعالَج، فقد أخطأ الباب. العلاج في الداخل، والطمأنينة من الله، والحب يأتي بعد ذلك… مشاركةً لا تعويضًا. وهكذا نكتشف أن الحب الحقيقي لا يُنقِذ، ولا يُمسِك، ولا يُقيِّد، بل يُجاوِر… كما تُجاوِر الروحُ الجسدَ في سكينة. ومن عرف السكينة، عرف كيف يُحِب.